responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 435
أَقْدَمَ بَعْضَ الْجَاهِلِينَ عَلَى السَّفَاهَةِ وَالْإِيذَاءِ فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفُرْقَانِ: 72] وَقَالَ: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 3] وَقَالَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً [الْوَاقِعَةِ: 25] وَإِذَا أَحَاطَ عَقْلُكَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ، عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْإِنْسَانِ مَعَ الْغَيْرِ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ هُوَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ»
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: تَفْسِيرُ جِبْرِيلَ مُطَابِقٌ لِلَفْظِ الْآيَةِ لِأَنَّكَ لَوْ وَصَلْتَ مَنْ قَطَعَكَ، فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهُ، وَإِذَا آتَيْتَ مَنْ حَرَمَكَ فَقَدْ آتَيْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِذَا عَفَوْتَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ فَقَدْ أَعْرَضْتَ عَنِ الْجَاهِلِينَ،
وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ،
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقٌ آخَرُ فَقَالُوا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أَيْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَيْ مَا أَتَوْكَ بِهِ عَفْوًا فَخُذْهُ، وَلَا تَسْأَلْ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً إِلَّا قَوْلَهُ: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أَيْ بِإِظْهَارِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَتَقْرِيرِ دَلَائِلِهِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أَيِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ جَمِيعُ الْآيَةِ مَنْسُوخَةٌ إِلَّا قَوْلَهُ:
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَخْصِيصَ قَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ بِمَا ذَكَرَهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَأَيْضًا فَهَذَا الْكَلَامُ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ إِيجَابُ الزَّكَاةِ بِالْمَقَادِيرِ الْمَخْصُوصَةِ مُنَافِيًا لِذَلِكَ، لِأَنَّ آخِذَ الزَّكَاةِ مَأْمُورٌ بِأَنْ لَا يَأْخُذَ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَلَا يُشَدِّدِ الْأَمْرَ عَلَى الْمُزَكِّي فَلَمْ يَكُنْ إِيجَابُ الزَّكَاةِ سَبَبًا لِصَيْرُورَةِ هَذِهِ الآية منسوخة.
وأما قَوْلُهُ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَمْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى سُوءِ أَخْلَاقِهِمْ، وَأَنْ لَا يُقَابِلَ أَقْوَالَهُمُ الرَّكِيكَةَ وَلَا أَفْعَالَهُمُ الْخَسِيسَةَ بِأَمْثَالِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنَ الْقِتَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ مَعَ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُتَنَاقِضِ أَنْ يُقَالَ الشَّارِعُ لَا يُقَابِلُ سَفَاهَتَهُمْ بِمِثْلِهَا؟ وَلَكِنْ قَاتَلَهُمْ وَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إِلَى الْتِزَامِ النَّسْخِ، إِلَّا أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَشْغُوفُونَ بِتَكْثِيرِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ولا حاجة.

[سورة الأعراف (7) : آية 200]
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: [في شأن نزول الآية]
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف: 199] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَا رَبِّ وَالْغَضَبُ؟ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ نَزْغَ الشَّيْطَانِ، عِبَارَةٌ عَنْ وَسَاوِسِهِ وَنَخْسِهِ فِي الْقَلْبِ بِمَا يُسَوِّلُ للإنسان من المعاصي، عن أبي زيد نزعت بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَفْسَدْتُ مَا بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ النَّزْغُ الْإِزْعَاجُ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَأَصْلُهُ الْإِزْعَاجُ بِالْحَرَكَةِ إِلَى الشَّرِّ، وَتَقْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِالْعُرْفِ فَعِنْدَ ذَلِكَ رُبَّمَا يُهَيِّجُ سَفِيهٌ وَيُظْهِرُ السَّفَاهَةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالسُّكُوتِ عَنْ مُقَابَلَتِهِ فَقَالَ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عِنْدَ إِقْدَامِ السَّفِيهِ عَلَى السَّفَاهَةِ يُهَيِّجُ الْغَضَبَ وَالْغَيْظَ وَلَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ عَلَى حَالَةِ السَّلَامَةِ وعند تلك

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 435
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست